تقارير وتحليلات

صعود الزعماء الشباب في غرب أفريقيا يعيد تشكيل المشهد السياسي

شهدت دول غرب أفريقيا خلال السنوات الأخيرة تحولات سياسية كبرى تمثلت في سلسلة من الانقلابات العسكرية وصعود قادة شباب إلى السلطة، سواء عبر الانقلابات أو الانتخابات الديمقراطية. وأدى هذا التحول إلى إعادة رسم الخريطة السياسية والاستراتيجية في المنطقة، مع تراجع النفوذ الفرنسي والأمريكي، مقابل تصاعد الدور الروسي.

وفي دراسة نشرها “مركز فاروس للدراسات الاستراتيجية “، برزت مجموعة من القادة العسكريين الشباب الذين قادوا انقلابات للإطاحة بأنظمة الحكم في بلادهم، متهمين إياها بالتبعية للغرب والفشل في مكافحة الإرهاب والفساد.

في مالي، تولى العقيد أسيمي جويتا السلطة بعد الإطاحة بالرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا في 2020، ثم الرئيس الانتقالي باه نداو في 2021. يُنظر إليه كبطل قومي مناهض للنفوذ الفرنسي، ونجح في تعزيز علاقاته مع قادة الانقلابات في دول الجوار.

أما في بوركينا فاسو، فقد صعد الكابتن إبراهيم تراوري إلى السلطة بعد انقلاب 2022، وهو في الثلاثينيات من عمره، مما جعله أصغر رئيس في العالم. يشَبهه البعض بالزعيم الثوري توماس سانكارا، وسعى إلى تعديلات دستورية لإشراك الجماهير في الحكم. كما مدد فترة الحكم العسكري لخمس سنوات، وأقام تحالفًا وثيقًا مع مالي والنيجر في إطار “تحالف دول الساحل”.

وفي تشاد، تولى محمد إدريس ديبي السلطة بعد مقتل والده في 2021، ليصبح رئيسًا انتقالياً قبل فوزه في الانتخابات الرئاسية في مايو 2024، منهياً المرحلة الانتقالية. يتمتع بخبرة عسكرية واسعة، وسعى إلى تقديم نفسه كزعيم مدني من خلال كتاب سيرته الذاتية “من بدوي إلى رئيس”.

لم يقتصر التغيير في المنطقة على الانقلابات العسكرية، بل شهدت السنغال انتقالًا ديمقراطيًا غير مسبوق بوصول باسيرو فاي إلى الرئاسة في أبريل 2024، بعد فوزه بالانتخابات من الجولة الأولى. يُعتبر أصغر رئيس في تاريخ السنغال، وحظي بدعم واسع من الشباب المحبط من الفساد والنخب التقليدية. يسعى فاي إلى تعزيز التكامل الإقليمي وزار مالي وبوركينا فاسو في خطوة تعكس رغبته في تقريب وجهات النظر بين الأنظمة العسكرية ومنظمة الإيكواس.

إلى جانبه، برز عثمان سونكو، رئيس الوزراء السنغالي الحالي، كقائد للحراك الشعبي ضد النظام السابق، حيث تعرض للسجن قبل أن يخرج بعفو عام. لعب دورًا رئيسيًا في فوز فاي، ويُنظر إليه باعتباره مهندس التغيير الديمقراطي في البلاد.

أدى صعود هذه القيادات الشابة إلى تراجع النفوذ الفرنسي والأمريكي في المنطقة، حيث اتجهت دول غرب أفريقيا إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا، لا سيما من خلال “تحالف دول الساحل”، الذي يهدف إلى تقليل الاعتماد على القوى الغربية في المجالات العسكرية والسياسية.

كما يمثل صعود القادة الشباب، سواء العسكريين أو المدنيين، تغيرًا في طبيعة الحكم بالمنطقة، حيث باتت الشعوب، خاصة فئة الشباب، تبحث عن قيادات جديدة قادرة على تلبية تطلعاتها بعيدًا عن التبعية للغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى